[المرأةفي صدر الإسلام
أما بالنسبة إلى عمل المرأة في شرعنا، فالإسلام لا ينهى المرأة عن أي عمل، فلا يقول الإسلام إن من المحرمات على المرأة أن تصبح عاملة، أو مزارعة، أو تاجرة، فمن حق المرأة أن تقوم بما يقوم به الرجل في العمل والزراعة والتجارة شريطة أمر واحد هو (الحشمة) والحفاظ على كيانها كانسانة. فالإسلام ينهى عن التعرّي، والكشف عن أنوثة المرأة، ولا ينهى عن العمل، وكلنا نعرف أن خديجة بنت خويلد عليها السلام كانت صاحبة أملاك، وكانت تاجرة كبيرة، وتعرّفها على رسول الله (ص) كان عن طريق تجارتها، حيث عمل النبي (ص) لديها. فالمرأة تستطيع أن تعمل إذا استطاعت أن تحافظ في عملها على الحجاب أو لم تختلط بالرجال الاجانب، لأنها في غير هذه الصورة تتحول إلى متعة وجنس للرجال
يقول الحديث الشريف (كل شيء لك حلال حتى تعرف أنه حرام) ففي عهد رسول الله (ص) كانت المرأة تعمل، تشتغل، وقد أوصى النبي (ص) المرأة أن تشتغل في الحياكة، حيث قال: (علموهنّ المغزل).
فإذا حافظت المرأة على (الحشمة المطلوبة) فلا مانع من أن تتوظف، أو تشتغل في أي مكان. إن الإسلام يوجب العمل على الرجل، ولا يوجبه على المرأة، وذلك لسبب بسيط، هو أن المرأة لا تتحمل عمل الرجل، فهي تعيش من ثلاثة أيام إلى عشرة أيام كل شهر مريضة، جسمياً ونفسياً وهي أيام العادة الشهرية، وتكون ثقيلة الحركة في أيام الحمل، وتكون مرتبطة بالولد في أيام الرضاع... وهكذا فكيف نستطيع أن نوجب عليها العمل في مثل هذه الحالات؟ هل نعطيها رخصة؟ هذا غير سليم لأن المرأة في حالة العادة لا تكون طريحة الفراش، ولكنها تكون مريضة جسميّاً وعلى الأقل تكون (حساسة) تجاه ما يقال لها أو يسلك تجاهها.
فهل يعقل أن نترك معملاً ضخماً أو شيئاً من هذا القبيل على عاتق امرأة حساسة تثور لأية كلمة مثلاً، أو تتحملها، وتتعقد عليها.
فالتغيرات الفسيولوجية في جسم المرأة، تصحبها تغييرات سيكولوجية تجعلها تشعر أيام العادة بالحساسية والكآبة وتكون سريعة التأثر لأقل شيء من أقربائها فكيف بالغرباء عنها
المرأة خارج البيت
في قوله تعالى (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن)
قال القرطبي: (ليس للزوج أن يخرجها من مسكن الزوجية، ولا يجوز لها الخروج إلا لضرورة ظاهرة)فالآية نزلت في المعتدّة ولكن حكمها يسري على الزوجة.
قال ابن عربي: قال مالك: (ولا تخرج المعتدة دائماً، وإنما أذن لها في الخروج إن احتاجت إليه، وإنما يكون خروجها في العدّة كخروجها في الزواج، لأن العدّة فرع الزواج) وقد لاحظ أئمة التفسير والفقه أن البيوت مضافة إلى ضمير النسوة في قوله تعالى: (لا تخرجوهن من بيوتهن) وفي قوله (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة) وقوله تعالى (وقرن في بيوتكن) مع أن البيوت للأزواج لا لهن، وخرجوا من ذلك بأنها ليست إضافة (تمليك) بل إضافة (إسكان) تقرّرت لاستمرار لزوم المرأة البيت ـ إلا لحاجة ـ حتى أضيف إليها.
والإسكان هو الزام بالاقامة، يقول الكاساني: (ومنها ـ أي من الأحكام التي تترتب على عقد الزواج ـ صيرورتها ممنوعة عن الخروج والبروز لقوله تعالى (اسكنوهن) والأمر بالاسكان نهي عن البروز إذ الأمر بالشيء نهي عن ضدّه، ولقوله عز وجل: (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن) ولأنها لو لم تكن ممنوعة من الخروج والبروز لاختل السكن، والنسب)فالمقرر في الفطرة وفي الشرع: أن البقاء في المنزل هو الاصل. وأن الخروج منه هو الفرع. والرسول (ص) يقول:
(لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهنّ خير لهن)
فالشرع يجيز للمرأة أن تخرج لأداء العبادة في المساجد، ولكنه يرى اداءها لها في البيت خير لها. وذلك لتجنّب الفتنة والعوارض، ولكفالة الاستقرار، وجعل المرأة متفرغة لمهمتها.
وقد ثبت أن النساء كنّ يخرجن باذن رسول الله (ص) مع الجيش لخدمة الرجال، وتمريض الجرحى، والقيام بأعمال الاسعاف، فقد روي عن الربيع بنت معوذ، قالت: كنا نغزو مع رسول الله نسقي القوم، ونخدمهم، ونردّ القتلى والجرحى إلى المدينة)
وفي سؤال لاحدهم لسماحة السيد محمد الحسيني الشيرازي (دام ظله) في خصوص هذا الموضوع وهو: إن هناك من يعتقد أن الإسلام قسّم أدوار الزوجين بين أن يتحمّل الزوج ما يرتبط بخارج البيت من الكد وجلب الحاجيات المنزلية، وبين أن تتحمّل الزوجة ما يرتبط بداخل البيت من الطبخ والكنس والاهتمام بالأطفال... فهل ترون هذا التقسيم من الاسلام؟ فكان جوابه (دام ظله): نعم، لكن دور المرأة على سبيل الاستحباب(
مسؤولية المرأة الرسالية
إن الدور والواجب على المرأة الرسالية أداؤه، ليس هدّية يقدّمها الرجل لها، فإذا امتنع من تقديمه فلا دور لها في الحياة، بل هو حق من حقوقها ومسؤولية من مسؤولياتها. وعليها أن تلتزم هذا الحق وتمارس هذه المسؤولية، وإلا فلن يشفع لها أمام الله والتاريخ أن تعتذر بأن الرجال لم يتركوا لها واجباً أو لم يقدموا لها دوراً.
ومن هنا كان واجباً عليها أن تعتني بنفسها لرفع مستواها الفكري، والسياسي، والثقافي والديني والعلمي، والاقتداء بنماذج للمرأة المجاهدة من طراز المجاهدات الكبيرات، فاطمة الزهراء، وزينب الكبرى عليهما السلام.
فالمرأة يجب أن تسبق الرجل في تحمل المسؤولية، ذلك لأن المرأة تصل حدّ البلوغ الشرعي قبل الرجل بأربع سنوات، لذا عليها أن تسبق الرجل بأربع سنوات في العمل وأداء الواجب
اختلاف تكوين المرأة عن الرجل
يمتلك كل من الرجل والمرأة مجموعة من الخصائص التي جاء العلم الحديث ليؤكدها بصورة قاطعة ومن وراءها تبرز الحكمة من ايجادها:
أولاً: القوّة الجسديّة: فالرجل في الأغلب أقوى جسدياً من المرأة، ومعدّل الطول عند الرجل أعلى منه عند النساء، ولعل أوضح الحكم في ذلك ايكال الأعمال الشاقة للرجال ومنها الأعمال المعاشيّة اليومية خارج البيت، وإذا جرى وشاركت امرأة ما في عمل شاق، فإن الاهتمام بذلك واشاعته اعلامياً دليل على صحة المقولة الأولى لأن الاستثناء يثبت القاعدة، وهو أمر طبيعي فيسترعي الاهتمام، ومن الطبيعي أنه لا يمكن القياس على الشاذ النادر الحاصل هنا وهناك.
ثانياً: الخشونة في البدن والسلوك: من المعروف أن الرجال يسمّون بالجنس الخشن، والنساء يسمّين بالجنس الناعم، فنظرة واحدة إلى كف رجل وامرأة يعطي السبب المعقول لهذه التسميات. وكذلك في السلوك فإن المرأة بحاجة إلى حنان مميز لتؤدي دورها في إضفاء البهجة على جو البيت ككل وتمنح الحب والطمأنينة للاطفال بالخصوص.
ثالثاً: الفروق العصبية: من المألوف أن تقف المرأة باكية خصوصاً عند حدوث الحوادث المحرجة مثل أخذ نتائج الامتحانات المدرسية، أو الدخول في نقاشات مع الآخرين، أو حصول حادث اصطدام بسيط مثلاً، وليس هذا عيباً أو نقصاً في المرأة كما يتصور أولاً، وإنما هي حالة ناتجة من الارتخاء العصبي الموجود لدى النساء والذي أثبته الطب الحديث. وهي خصيصة ضرورية لكي تتحمل المرأة آلام الحمل والولادة، ولكي تتحمل عصبياً كل أعمال التربية وضغوطات الأطفال المرهقة أو تلبي احتياجاتهم المتكررة التي تصل إلى حد الالحاح والازعاج. كما أن الارتخاء العصبي عند المرأة نعمة كبرى لكي تتجنّب حالات التوتر والتشنج عند الولادة التي تصل إلى حد الانهيار العصبي، ولذا فهي تحصل لنسبة قليلة من النساء عند الولادة.
أما الرجل فهو بحاجة إلى التماسك العصبي لمواجهة مشاكل الحياة بحزم وقوّة ولعل هذا هو السبب في تمكن الرجل من مجابهة مشكلات العمل اليومي والدخول في الكفاح البشري والخلاصة (فإن المرأة ريحانة وليست قهرمانة)
إذن أليس العدالة أن يؤدي كل كائن واجبه مستفيداً من مواهبه وخصائصه؟
وأليس خلاف العدالة أن تقوم المرأة باعمال لا تتناسب مع تكوينها الجسمي والروحي؟
من هنا نرى الإسلام ـ مع تأكيده على العدالة ـ يجعل الرجل مقدّماً في بعض الأمور مثل الإشراف على الأسرة.. ويدع للمرأة مكانة المساعد فيها.
فالعائلة والمجتمع بحاجة إلى مدير، ومسألة الإدارة في آخر مراحلها يجب أن تنتهي بشخص واحد، وإلا ساد الهرج والمرج. فمن المفضّل لهذه المسؤولية الرجل أم المرأة؟
كل الحسابات البعيدة عن التعصب تقول: إن الوضع التكويني للرجل يفرض أن تكون مسؤولية إدارة الأسرة بيده، والمرأة تعاونه، وإن كانت المزاعم تخالف ذلك ففي قوله تعالى (الرجال قوامون على النساء)(28) يعني: إن الرجل قيّم على المرأة فيما يجب لها عليه، فأمّا غير ذلك فلا، ويقال: هذا قيم المرأة وقوامها.
ولئن جعل الله ذلك للرجال، فلفضلهم في العلم، والتمييز، ولأنفاقهم أموالهم في المهور، وأقوات النساء
أما الخلاص ففي الاكتفاء الذاتي للأسرة وهو أن يجعل الإنسان كسبه في بلده، فإنه لا تضيع عائلته ويكون هو القيم عليها، وقد ورد في ذلك روايات منها:
عن علي بن الحسين (ع): (إن من سعادة المرء أن يكون متجره في بلاده، ويكون خلطاؤه صالحين، ويكون له ولد يستعين بهم).
وعن الصادق (ع)، قال: (ثلاثة من السعادة: الزوجة المؤاتية، والأولاد البارّون والرجل يرزق معيشته ببلده يغدو إلى أهله ويروح)
فقه الحجاب في مسائل
وقد شرح السيد محمد الحسيني الشيرازي (دام ظله) جوانب من مسائل الحجاب في خروج المرأة من البيت ودخولها مجتمعات الرجال والمطالبة بحقها واسماع صوتها لهم، في تفصيل مدعم بمثال رائع للمرأة الإسلامية الحقّة ألا وهي الزهراء بنت الرسول (صلوات الله وسلامه عليهما) نذكرها هنا:
مسألة: (خروج المرأة من البيت)
يجوز بالمعنى الأعم خروج المرأة من البيت، سواء كانت متزوّجة أم غير متزوّجة، في الجملة: نعم، الفرق بين المتزوجة وغير المتزوجة: إن المتزوجة تستأذن زوجها في الخروج في غير الواجب منه، وغير المتزوجة تملك نفسها، فانه (ص) (نهى أن تخرج المرأة من بيتها بغير إذن زوجها)
مسألة: دخول المرأة في مجتمع الرجال
يجوز للمرأة أن تدخل في مكان قد اجتمع فيه الرجال، أو مع النساء، مع الحفاظ على الحجاب وسائر الشرائط. إذ الاصل: الاباحة ولا دليل على الحرمة، بل كان هذا في زمن رسول الله (ص) في مسجده، وفي أسفاره، وفي الحج، كما أنه كان في أيام الفقهاء الكبار، في مشاهد المعصومين (ع) وكذلك في القدس الشريف وغير ذلك. أما المحرّم منه، فهو الاختلاط بلا حجاب، أو ما أشبه ذلك مما أتى به الغرب إلى بلاد الإسلام واستقبله بعض من لا حريجة له في الدين.
مسألة: مطالبة المرأة بالحق
يجوز بالمعنى الأعم المطالبة بالحق، وكشف القناع عن ظلم الظالم حتى عند من لا يتاتى منه أي عمل، أو لا يعمل، ويشمله اطلاق قوله تعالى: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم). وربما يعد من مصاديق ذلك مطالبة الزهراء (ع) بحقها وحق الإمام أمير المؤمنين (ع) في المسجد في حضور المهاجرين والانصار وغيرهم، حيث لم يكن لكل الأفراد القيام بالمطلوب والمراد نفي (الكليّة) لا النفي الكلّي، فتأمّل.(
مسألة: الساتر بين النساء والرجال
قد يقال باستحباب وضع ساتر بين الرجال والنساء عند خطاب المرأة، إضافة لتحجّب كل واحدة منهن. وربّما يستفاد ذلك من قوله تعالى (وإذا سألتموهن متاعاً فسألوهن من وراء حجاب)، وإن كان الانصراف في الآية المباركة يقتضي الحجاب أو الساتر بالمعنى الأخص لا الساتر إضافة للحجاب المتعارف، ومنه يعلم استحباب ذلك في كل مكان اجتمع فيه النساء والرجال، كما في المسجد للصلاة، وفي قاعة الدرس، وفي الحسينيات وغير ذلك.
لكن ربما يقال: بأنه لا يظهر أن ذلك كان على نحو الاستحباب، إذ الفعل لا جهة له، بل ربما كان ذلك من الآداب، ولذا لم يكن في مسجد رسول الله (ص) ولا في المسجد الحرام ستر بين الرجال والنساء وذلك بأن يقرر مثلاً على الرجال أن يطوفوا بجوار الكعبة وعلى النساء الطواف من بعيد وبينهما ستر، أو بأن يقرر وقت للرجال وآخر للنساء، إلى غير ذلك مما هو واضح.
وربما يقال: إنه يدل على الاستحباب بالنسبة إلى الشخصيات من النساء، ولذا ورد ذلك بالنسبة إلى عمل نساء النبي (ص) بعد نزول آية الحجاب:
(وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب) يعني إذا سألتم أزواج النبي (ص) شيئاً تحتاجون إليه فاسألوهن من وراء ستر، قال مقاتل: أمر الله المؤمنين أن لا يكلموا نساء النبي (ص) إلا من وراء حجاب (ذلكم) أي السؤال من وراء حجاب (أطهر لقلوبكم وقلوبهن) من الريبة، ومن خواطر الشيطان (وما كان أن تؤذوا رسول الله) بمخالفة ما أمر به في نسائه ولا في شيء من الأشياء
أما الاستحباب مطلقاً، فالظاهر: العدم للسيرة المستمرة في مسجد رسول الله (ص) في عصره الشريف وغيره بالنسبة إلى النساء، وكذلك بالنسبة إلى المسجد الحرام، وغير ذلك كما سبق
مسألة: اسماع الصوت للرجال
يجوز للمرأة أن تسمع صوتها إذا حفظت الموازين الشرعية. بأن لم يكن هناك خوف فتنة، أو من الخضوع في القول مثلاً، قال سبحانه:
(فلا تخضعن في القول فيطمع الذي في قلبه مرض) وقد كانت النساء يتكلمن مع الرسول (ص) ومع أمير المؤمنين (ع) ومع الأئمة الأطهار (ع) ومع علماء الدين إلى عصرنا الحاضر، وعلى ذلك جرت سيرة المتشرّعة عموماً، لكن يجب مراعاة الموازين الشرعية. وما ذكر يدل على جواز ذلك، فإن المحظور هو الخضوع بالقول وما أشبه، فيجوز للنساء إلقاء الخطب وقراءة التعزية في المجالس النسوية، وإن وصل صوتها إلى اسماع الرجال، كما يجوز تسجيل صوت قراءتها مع مراعات الجهات الشرعية)
حقوق المرأة في كتاب الله
ومع ظهور الإسلام وانتشار تعاليمه السامية، دخلت حياة المرأة مرحلة جديدة بعيدة كل البعد عما سبقها. في هذه المرحلة أصبحت المرأة مستقلة ومتمتعة بكل حقوقها الفردية والاجتماعية والإنسانية.
فالمرأة تتمتع بحقوق تعادل ما عليها من واجبات ثقيلة في المجتمع، يقول تعالى:
(ولهن مثل ما عليهن بالمعروف) وقد اعتبر الإسلام المرأة كالرجل: كائناً ذا روح إنسانية كاملة، وذا إرادة واختيار، ويطوى طريقه على طريق تكامله الذي هو هدف الخلقة، ولذلك خاطب الله تعالى الرجل والمرأة معاً في بيان واحد حين قال:
(يا أيها الناس... ويا أيها الذين آمنوا) ووضع لهما منهجاً تربوياً واخلاقياً وعلمياً ووحدهما بالسعادة الابدية الكاملة في الآخرة كما جاء في قوله تعالى:
(ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة)
وأكد أن الجنسين قادران على انتهاج طريق الإسلام للوصول إلى الكمال المعنوي والمادي لبلوغ الحياة الطيبة: (من عمل صالحاً من ذكر أو انثى وهو مؤمن فلـنحيينه حياة طيـــبة ولنجزينهـــم أجرهم بأحسن ما كـــانوا يعملون) فالإسلام يرى المرأة كالرجل انساناً مستقلاً حراً، وهذا المفهوم جاء في مواضع عديدة من القرآن الكريم كقوله تعالى:
(كل نفس بما كسبت رهينة) (من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها)ومع هذه الحرية فالمرأة والرجل متساويان أمام قوانين الجزاء أيضا:
(الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة...)ولما كان الاستقلال يستلزم الإرادة والاختيار، فقد قرّر الإسلام هذا الاستقلال في جميع الحقوق الاقتصادية وأباح للمرأة كل ألوان الممارسات المالية، وجعلها مالكة عائدها وأموالها، يقول تعالى: (للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن)(49) فكلمة (اكتساب) خلافاً لكلمة (كسب) ـ لا تستعمل إلا فيما يستفيد الإنسان لنفسه ولو أضفنا إلى هذا المفهوم القاعدة العامة القائلة:
(الناس مسلطون على أموالهم) لفهمنا مدى الاحترام الذي أقرّه الإسلام للمرأة بمنحها الاستقلال الاقتصادي، ومدى التساوي الذي قرّره بين الجنسين في هذا المجال. وعلى عكس ذلك نجد المرأة في نظر المجتمعات الغربية غير مستقلة الشخصيّة في جميع الحقوق الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وقد استمر هذا الوضع في قسم من المجتمعات حتى القرون الأخيرة.
فمثلاً قبل البعثة النبوية وبالضبط في سنة 586 عقد في فرنسا مؤتمر دار النقاش فيه حول استحقاق المرأة أن تعتبر انساناً أم لا تستحق ذلك؟ وكانت النتيجة أن اعتبر المرأة انساناً ولكنها خلقت لخدمة الرجل فحسب
وفي القانون المدني الفرنسي المشهور بتقدميته، على سبيل المثال: نشير إلى بعض فقراته المتعلقة بالشؤون الماليّة للزوجين:
يستفاد من المادتين 215 و217 أن المرأة المتزوجة لا تستطيع بدون إذن زوجها وتوقيعه أن تؤدي أي عمل حقوقي، وتحتاج في كل معاملة إلى إذن الزوج، هذا إذا لم يرد الزوج أن يستغل قدرته، ويمتنع عن الإذن دون مبرّر.
وحسب المادة 1242 يحق للرجل أن يتصرف لوحده بالثروة المشتركة بين المرأة والرجل بأي شكل من الاشكال، ولا يلزمه استئذان المرأة بشرط أن يكون التصرف في إطار الإدارة. وإلا لزمت موافقة المرأة وتوقيعها. وفي المادة 1428 إن حق إدارة جميع الأموال الخاصّة بالمرأة موكول إلى الرجل ـ على أن المعاملة الخارجة عن حدود الإدارة تتطلّب موافقة المرأة وتوقيعها..
الخلاصة
إن رفع الحيف عن المرأة واعطاءها سبيل اختيار المكان المناسب لها للعمل فيه، يستوجب رفع مستوى المعيشة الكلّي للأسرة وبالتوازن المستمر مع معدّلات التضخم المتوالية في الاقتصاد العالمي وانعكاساتها على البلدان الإسلامية والفقيرة منها بأسوء المستويات. والأمر يستوجب مراعاة التقليل من المصروفات المخ(ص)ة لكماليات ومظاهر الدولة فالباري تعالى جدّه يقول: (أتبنون بكل ريع آية تعبثون. وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون. وإذا بطشتم بطشتم جبارين. فاتقوا الله...)
فقد عملت المجتمعات الغربية في الآونة الأخيرة وبعد تعالي الصيحات عليها من كل مكان لضرورة إظهار مبدأ التكافل الاجتماعي على ساحة الواقع المعاش في دولها، لذا فقد صدرت القوانين الخاصة وتم تطبيقها بتخصيص الحقوق المالية الشهرية لذوي العاهات والمعوقين من أصحاب المهن من الرجال والنساء، وكذلك العاطلين عن العمل، والفائضين بسبب توقف معاملهم أو شركاتهم لسبب أو لآخر، واتخذت عندهم تخصيصات مالية للأطفال حديثي الولادة لتشجيع الإنجاب بعد أن عزفت عنه النساء، وعن الزواج في الغالب الأعم.
وهم بذلك قد طبّقوا ما دعا إليه دعاة الإسلام عبر العقود الماضية
ان شاء الله يعجبكم الموضوع